
اعراس زمان
ما بين الحاضر والماضي
العرس الفلسطيني تراث شعبي بتفاصيل عصية على النسيان
أي كان الزمان أو المكان فإن فرحة العروسين هي واحدة سواء كان ذلك في الماضي أو الحاضر، فالنشوة التي تغمر قلبيهما لا تختلف، وشعور السعادة الذي لن ينسياه هو واحد سواء كانت ليلة العمر على سطح الأرض أو على سطح القمر، فالنتيجة واحدة لتعلنهما أمام الملأ بأنهما قلبين ملتصقين لا يتجزآن… ولكن هل يمكن لتطورات العصر التي تأثرت بها الأفراح أن تنزع العرس الفلسطيني من رونقه الفلكلوري الشعبي؟، فما بين مستحدثات الأفراح بدءا بقاعات الأفراح وأغاني “الدي جي” السريعة وتفاصيل أخرى يتلاشى معها عبق التراث تبقى هناك مساحة للمقارنة في تفاصيل العرس الفلسطيني في الماضي والحاضر…
ليست من عاداتنا
“زمان كان للعرس طعم آخر فكله معجون برائحة التراث ومعبق بتفاصيله بعاداتنا وتقاليدنا” هكذا بدأت الحاجة أم سليمان 75 عاما والتي حدثتنا بشئ من نشوة من ينبش بذاكرته عن تفاصيل جميلة ليرويها مزركشة بثوب الفرح، وأضافت وقد عدلت من جلستها إيذانا بأن الحديث يروق لها:” أفراحكم يا بنتي اليوم ليست من طباعنا فشباب اليوم أصبحوا يتزوجون على الطريقة الأجنبية وبذلك أضاعوا كثيرا من بهجة العرس الفلسطيني الأصيل”.
وعند سؤالنا لها عن الأشياء التي كانوا يحرصون على وجودها وتلاشت الآن أجابت:” في البداية وبما أن القرية كانت صغيرة والناس تعرف بعضها، وعندما تعجبنا الفتاة التي نراها مناسبة تذهب النسوة إلى أم الفتاة وتطلب يدها وإذا تمت الموافقة يتم تحديد موعد للرجال ليعودوا ويطلبوا يد العروس رسميا وبرفقة العريس، ثم يحدد موعد الخطبة، ويوم الخطبة تسبق النساء الرجال إلى بيت اهل العروس يحملن معهن الماء والأرز وأواني الطبخ إضافة إلى حزم الحطب حيث كان الطعام يطهى على النار، وتتقاسم النسوة فيما بينهن مهمة إنجاز الطعام وتقديمه لذوي العروسين وهم ليسوا بالكثر مقارنة باليوم إذ كان واحدا من السخل ” الماعز الصغير” يكفي الجميع”.
ما بعد الخطبة
وحول مدة فترة الخطوبة تستأنف الحاجة أم سليمان حديثها:” فترة الخطبة كانت في غالبها أسبوع وأطولها لا تزيد عن العشرون يوما يتم خلالها تجهيز العروس، حيث تشتري لها أمها حوالي ثمانية أثواب متنوعة، حيث كانت المهور قليلة لا تزيد عن 20 ليرة ذهبية، أما العريس فكانوا يشترون له ” قمباز وعباءة وحذاء وحطة وعقال”، وملابس العروس توضع في صندوق خشبي، مشيرة إلى أن بيت العروسين كان يجهز له بصندوقين أحدهما أشبه بسرير للنوم والآخر توضع فيه الملابس.
وتتابع:”قبل العرس بأسبوع كنا نحتفل “بليالي الحناء” حيث تقوم النساء بجمع الحطب وطهي الطعام، وتجتمع النساء قبالة الرجال وتغني معهم أغاني السامر الفلسطيني ونحن في قمة السعادة، وبعد صلاة العشاء نذهب لنحني العروس”.
ومن الأغاني التي كانت تغنى في السامر تشدو بصوتها:” يا إم الفريح ومبارك ما عملتيلو،، جوخة جديدة وبنت اكرام جبتيلوا،، يابنت عمي قتلني البرد غطيني،، بين القلايد وجوة الصدر حطيني،، جابولي الكبر قلت الثوب بكفي،، واجب عل الرجل إن قال كلام يوفي”..
يوم الزفاف
أما عن المرحلة الأهم في العرس وهي ليلة الزفاف فتحدثنا وهي تسترجع لحظات جميلة من شريط ذكرياتها وتقول:” صباح يوم الزفاف تجتمع نساء العائلة استعدادا لهذا اليوم حيث يتم ذبح حوالي ستة “خرفان”، وتبدأ خلية النحل النسائية بصنع طعام الغداء الذي يكون عبارة عن المنسف وفريكة البرغل، وبعد الانتهاء من تناول الطعام يزف العريس عند الرجال، وهم يرددون الأغاني الجميلة ومنها:” عيرني سيفك ليوم الكوان،، سيفي محلوف عليه ما بعيرو،، سيفي مأصل من بلاد اليماني،، بالهنا يا ام الهنا يا הـنـ،ـية،، شيعوا لولاد عمو يجولو،، بالخيول المبرقعة يغنولو،، عـ.ـدوالمهرة وشدو عليها،، تيجي محمد ويركب عليها…”
أما النساء فيذهبن بعد صلاة المغرب إلى بيت العروس، ثم تؤخذ إلى بيت العريس وسط غناء النساء لها ” قومي اطلعي قومي اطلعي ما يهمك.. على شروط أبوكي وعلى شروط عمك.. قومي اطلعي قومي اطلعي من حالك.. على شروط أبوكي وعلى شروط خالك”.
وتؤخذ العروس إلى بيت عريسها لتقام لها حفلة بسيطة في باحة المنزل حيث تغني النساء بأصواتهن الأغاني التي تدخل السعادة على قلب العروس ومن ذلك:” هوي صلاة النبي على عروستنا.. هوي زي القمر ضاوي حارتنا.. هوي صلاة النبي على عروستنا.. هوي احنا المزيونات والزين عادتنا”.
أعراس اليوم
القارئ لهذا التقرير يدرك أن ثمة أشياء اختلفت في تفاصيل العرس الفلسطيني في الحاضر عنه في الماضي بدءا بطلب يد العروس- فإذا كانت النسوة في الماضي هن من يبادرن بطلب يد الفتاة ومعرفة رأي اهلها قبل الطلب رسميا من قبل الرجال، فإن طلب يد العروس الآن يمر بمراحل تضييق لهذه الحلقة يصل إلى أن يبادر والدي العريس بزيارة بيت العروس وطلب يدها، علما بأن بعض العائلات لا تزال تحرص على ما يعرف ” بالجاهة” التي تذهب لبيت العروس لتطلب يدها، وليس انتهاء بفترة الخطبة التي تصل إلى سنوات في احيان كثيرة، وإقامة العرس في قاعات الأفراح إضافة إلى تفاصيل أخرى مستحدثة.
بين الحديث والقديم
وعلى الرغم من أن المجتمع الفلسطيني عموما يمر في مرحلة سلخ العرس الفلسطيني من تراثه الشعبي واستبدال الطرق الغربية في الزفاف إلا أن هناك من الناس من يزالون يتمسكون بجذورهم ويقيمون أفراحهم ولو جزئيا على الطريقة الفلسطينية القديمة والذي ينطبق عليهم قول” يمسكون العصا من منتصفها”، حالهم حال الكثير من الأسر الفلسطينية، حيث تقول أم محمد 54 عاما وهي من بلدة اسدود المهجرة عام 1948 والتي زوجت مؤخرا نجليها:”حرصت أن يكون زواج ابنيّ على الطريقة القديمة بدءا من يوم طلب يد العروس حيث توجه مجموعة من أقاربنا لبيت أهل العروس وبمجرد موافقتهم تم الاتفاق على المهر والخطبة، مشيرة إلى أن المهور اليوم مرتفعة وهو لم يكن على زمانها حيث تم تحديد مهر “مقدم” قدره خمسة الاف دينار اردني، و”مؤخر” خمسة آلاف اخرى، وتضيف:” رافق الاتفاق على المهر تحديد قيمة المصاغ الدي يجب شرائه والتي تزيد في الغالب عن ألفي دينار إضافة إلى ما صاحب ذلك من اتفاق على مكان السكن حيث ترغب كل الفتيات بسكن مستقل عن بيت العائلة، وتشير بعد الاتفاق يتم تناول الحلوى والعصائر والفواكه، وتنتهي الجلسة بتحديد موعد الخطبة وعقد القران.
وعن تفاصيل الخطبة والزفاف في الوقت الحاضر تقول أم محمد:” في الخطبة يدعى كل من اقارب العريس واقارب العروس لحضور حفلة عقد القران، وتقام تلك الحفلة بعد صلاة العصر، ويتوجب على اهل العريس أن يضيفوا معازيمهم حيث يحمل اهل العريس صواني الحلوى وزجاجات العصير ايذانا بتوزيعها على الحضور في الحفل”.
ليلة الحنة
وما بين يوم الزفاف والخطبة تنشغل أم العروس بتجهيز ابنتها بالملابس وبعض حاجيات البيت والذهب، فيما يجهز اهل العريس بيته كغرفة النوم وبعض أثاث السكن، أما “ليلة الحنة” عند العروس فتحدثتا عنها أم محمد:” تجهز النسوة الحنة من اجل توزيعها على النساء وكذلك لتحنى العروس، فيما يقابل ذلك عند الرجال ما يعرف “بسهرة الشباب” حيث يغني أقارب وأصدقاء العريس أغاني الدبكة الشعبية “كالدلعونة وظريف الطول”، تنتهي السهرة بحناء العريس من قبل بعض الاقارب والأصدقاء”.
يوم العرس
تفاصيل العرس الفلسطيني في الحاضر عزيزي القارئ لم تنته بعد فلا زلنا في غمار مرحلة يوم الزفاف حيث منذ صبيحة ذاك اليوم يتم تحضير الطعام من خلال ذبح الاغنام وعمل المناسف باللبن، حيث تختلف عادات الطبخ من بلد لاخر فهناك من يفضل الكبسة وهناك من يقدم الحلوى فقط وهناك من يفضل الازر المقدر وهو عبارة عن أرز بالتوابل وخصوصا الكركم اذ يميل لونه للأصفر، يضاف إليه البصل والثوم واللحم ويوضع في فخارة صممت لذلك وينضج الارز على الفحم كما تقول ام محمد، مضيفة:” بعد انتهاء الجميع من تناول طعامه يزف العريس وهو يركب الحصان او بدونه ويغني الرجال له الاغاني الشعبية، وهناك من العائلات من تجلب فرق خاصة تستخدم فيها الطبلة والدف والشبابة ويتولون هم غناء ما يحفظونه من أغاني للعريس حيث يرددون بعض الاهازيج مثل:” يا عريس يابو الحطة من وين صايد هالبطة.. ويا عريس يابو العقال من وين صايد هالغزال..”
طلعة العروس
بعد تناول طعام الغداء وزفة العريس تتوجه النسوة إلى بيت العروس، وتخرج العروس برفقة ابيها وعمها او اخيها وهي لحظة يختلط فيها الحزن بالفرح، ويتم إركابها في سيارة مزينة تتصدر موكب من السيارات كما حدثتنا ام محمد معلقة بأنه في القديم كانت تسير العروس إلى بيت عريسها مشيا على الاقدام، وتضيف:” بعد طلعة العروس تكون وجهة معظم الناس إلى قاعات الافراح حيث تم الاستعاضة عن اصوات النساء بأصوات المغنيين والمغنيات ، مشيرة إلى أن قلة من الناس من يقيم عرسه في بيته أسوة باعراس زمان.
وأي كانت تفاصيل العرس فإن المزاوجة ما بين القديم والحديث تضفي لمسة خاصة على وقائع العرس وتعطي كل عروسين بهجة خاصة فكلما قلبا شريط ذكرياتهما فإن يوم زفافهما سيبقى حتما الذكرى الأغلى على قلبيهما.
ملاحظة: التقرير نشر في صحيفة صوت الشباب الفلسطيني في أيلول 2010
بتصرف: موقع عبدس
ا.جـמـاد احمد