تاريخ عبدس وفلسطين
الحاج محمد طومان… 65 عامًا من ترك أسدود والحنين لها يتأجج

الحاج محمد طومان… 65 عامًا من ترك أسدود والحنين لها يتأجج رغم مرور 65 عامًا على هجرته القسرية عن بلدته أسدود، لا يزال الحاج محمد طومان، يحتفظ بالعديد من الوثائق التي تؤكد ملكية عائلتة لمنزل وأراض زراعية، في البلدة التي اغتصبها الاحتلال، ويبدي الحاج الثمانيني أن العودة إليها باتت وشيكة إن لم يكن له فلأولاده وأحفاده على أبعد تقدير. الحاج طومان الذي يبلغ الآن 85 عامًا، ويسكن في منزل أسبستي بمخيم خان يونس كغيره من اللاجئين الفلسطينيين لا تزال ذاكرته حية بشكل مذهل بالنسبة لمن هم في عمره، لتفاصيل رحلة الهجرة المؤلمة, وما تخللها من معاناة على مدار عقود طويلة. الهجرة.. رحلة قاسية “كان عمري 19 عامًا، عندما أجبرت مع عائلتي في (20-12-1948) على الرحيل من منزلنا وأرضنا في بلدة أسدود…”، بهذا افتتح الحاج طومان حكايته لمراسلتنا. وأشار الحاج طومان إلى خريطة فلسطين التي علقها في صالون منزله المتواضع الذي يجمعه مع زوجته المسنة، وقال: “كنا نعيش حياة سعيدة في أسدود، عندما حدثت نكبتنا، غادرنا القرية مع جميع السكان البالغ عددهم 8500 نسمة تقريبًا، خوفًا من المجازر التي تقترفها عصابات الهاجاناة الصهيونية”. قبل أيام من هجرة طومان وعائلته وباقي البلدة، كان المئات من سكان القرى والبلدات المجاورة يأتون إلى أسدود ليرووا قصصًا مروعة حول المجازر التي شاهدوها في أماكن عدة، مثل “قبيا”، و”بشيت”، و”دير ياسين”، و”مسجد دهمش”، وراح ضحيتها عشرات الشهداء. أطلقت نظرة حزن من عيني الحاج، وهو يضع إصبعه على موقع أسدود على الخريطة، وعاد بذاكرته إلى ذلك اليوم الذي هجر فيه: “كنا خائفين جدًّا من أن نقتل، حيث كان 48 من سكان القرية استشهدوا، من بينهم شقيقي أحمد، الذي قتله المستوطنون اليهود؛ حيث كان مشاركًا في المقاومة، واعتقل 15 آخرون”. وأضاف أنهم اضطروا لمغادرة القرية بعد انسحاب القوات المصرية، في ظل الخوف من العصابات اليهودية التي كانت تستوطن في مغتصبة “نيتزانيم” المجاورة وكانت مسلحة تسليح جيوش. يصف الحاج رحلة الهروب الأليمة إلى الجنوب بأنها كانت شاقة، قائلاً: “غادرت القرية كلها رجالاً ونساء وأطفالاً. وتمكنت أنا وعائلتي من إحضار كمية صغيرة من الطحين لعمل الخبز، وملابسنا على ظهورنا… قضينا ليلة في حمامة, وليلة أخرى في المجدل، أما الليلة الثالثة فقضيناها في هربيا… نمنا تحت الأشجار، ولكننا كنا خائفين من أن نتعرض للهجوم، ولم يكن معنا طعام، وأخيرًا، في اليوم الرابع من الرحلة، وصلنا إلى خان يونس، حيث كان يعيش بعض أصدقائنا”. ويشير الحاج طومان إلى أن بعض أفراد العائلة تفرقوا خلال رحلة الهرب وحالة الفوضى، ولكنهم بدأوا بالتجمع لاحقًا؛ حيث سكنوا في البداية بخيمة من القش، وبعد عدة أعوام، نجح في بناء بيت في المكان مكثوا فيه مدة 15 عامًا، لم تفارقهم لحظة أمل العودة إلى أسدود. حياة جديدة ومؤلمة عندما هجر الحاج طومان، كان قد تزوج حديثًا، وهو ما فرض عليه بدء حياة جديدة مع زوجته باسمة، حيث وجد عملاً في الزراعة، بأجر زهيد لا يزيد عن 10 قروش يوميًّا، وهو ما يعادل سعر الكيلو جرام الواحد من السكر في ذلك الوقت. ويتذكر الحاج بمرارة تلك الأيام القاسية: “ولدت ابنتنا الكبرى تركية في عام 1949، ولم تكن زوجتي بحالة جيدة تمكنها من إرضاعها، لذا كان علينا أن نشتري الحليب لإرضاعها من جار لنا كان يملك بقرة، وتوفيت والدتي في العام التالي، بينما كنا لا نزال نعيش في سقيفة القش.. كان الفقر منتشرًا، وكافحت من أجل توفير مال كافٍ لسد احتياجات عائلتي، من خلال العمل الزراعي وبيع بعض المحاصيل، وكانت يداي خشنتين ومتشققتين نتيجة استخدام الأدوات في فلاحة الأرض.. عشنا في معاناة لمدة 15 عامًا إلى أن تم توفير منزل لنا في مخيم خان يونس في عام 1963، لا يزال هو مأوى العائلة للآن”. مآسٍ متكررة ويبدو أن المآسي لم تتوقف عن ملاحقة الحاج طومان، فخلال حرب عام 1967، اضطر مع عائلته إلى ترك المخيم لفترة قصيرة من الوقت، وقال: “كنا خائفين جدًّا، فانتقلنا إلى منطقة المواصي قرب البحر؛ حيث اختبأنا تحت الأشجار، وبعد سبعة أيام، ألقت الطائرات “الإسرائيلية” منشورات تأمرنا بالعودة إلى المخيم حاملين رايات بيضاء، فعدنا؛ ولكني أصبحت بلا عمل بعد الحرب، وكان مستوانا المعيشي تحت الصفر”. طوال السنوات الماضية واللاحقة لم تغب أسدود عن الذاكرة، لذلك ما إن تهيأت له السبيل لزيارتها حتى أسرع إلى هناك، وكان له ذلك بعد 20 عامًا، من الهجرة. وأشار إلى أنه ذهب عند شقيقته التي كانت تعيش في اللد، ومن هناك تمكن من الوصول لبلدته لأول مرة بعد 20 عامًا، لينتابه مزيج من المشاعر الجياشة بين الفرح والحزن. يقول: “عندما رأيت أسدود، ضحكت وبكيت في آن واحد، ضحكت لأنني رأيت قريتي مرة أخرى، وبكيت لأنها كانت محتلة”. والمثير أن الحاج طومان نجح خلال هذه الزيارة أثناء تجواله في أرضهم التي كانت مساحتها تبلع 120 دونمًا أن يجد مفتاح تشغيل موتور المياه (المنولة) وعاد به إلى خان يونس؛ حيث لا يزال يحتفظ به إلى الآن. وبرغم مضي ستة عقود ونصف على رحيله، لا يزال الحاج طومان يتمنى العودة، فيقول: “لا زلت أتمنى أن أعود، ويمكنني أن أترك كل شيء هنا، كل منزل عشت فيه، كل ما أملك… ولدت هناك وأنا مرتبط جدًّا بذلك المكان، ويعتمد مستقبل أبنائي التسعة وأحفادي الاثنين وأربعين على عودتنا إلى منزلنا في فلسطين.. أتمني أن أدفن في أسدود”. دائرة شؤون اللاجئين – وكالات أنباء 21/5/2013
التعليقات